لم يعش طفولته كما ينبغي، فقد التحق (شفيق ارشيدات) مبكرا بركب الرجولة، ليشارك وعمره احد عشر عاما بأول تظاهرة في اربد ضد المعاهدة الأردنية البريطانية، والقارئ للسيرة الذاتية لهذا المحامي والمناضل يكتشف حجم القلق الفكري والسياسي الذي عاشه في سنواته الأربعين الأولى وهو يبحث عن إطار فكري يستوعب حركته التي لا حدود لها، فقد انضم مبكرا لحركة الشباب الوطني، ثم أسهم مع عدد من أصدقائه بتأسيس جمعية الحرية الحمراء لمناصرة الثورة الفلسطينية في الثلاثينيات، وفي دمشق التحق بالحلقات الفكرية السائدة هناك وتعرف إلى محمد صبحي ابوغنيمة وعبد القادر إسماعيل وزكي الارسوزي وميشيل عفلق، ليكون قريبا من عصبة العمل القومي، وفي منتصف الأربعينيات اقترب قليلا من جماعة الإخوان المسلمين لكن ذلك الاقتراب لم يدم طويلا، بعد أن شارك بتأسيس حزب اللجنة التنفيذية للمؤتمر الأردني، ليكون في نهاية الأربعينات مع محمد صبحي أبو غنيمة احد مؤسسي الحزب العربي الأردني الذي كان امتدادا للحزب العربي الفلسطيني، لينتهي به المطاف مؤسسا وعضو لجنة مركزية في الحزب الوطني الاشتراكي الذي تزعمه سليمان النابلسي، بعد أن اشترك معه بتأسيس الجبهة الوطنية. ومثلما كانت حركة شفيق ارشيدات في الميدان الحزبي، فقد كانت كذلك في ميدان السياسة، فقد خاض أول انتخابات لعضوية مجلس بلدية اربد عام 1945 وفاز بها، ليخوض الانتخابات البرلمانية عام 1947 ويحجز مقعده في أول برلمان أردني، ويقف إلى جانب زميله عبد الحليم النمر في صفوف المعارضة، ومرة أخرى يعود للبرلمان عام 1950 لتتسع دائرة المعارضة بعد دخول ممثلي الضفة الغربية في البرلمان. لكن العقلية الاقصائية أبعدته عن البرلمان، مع غيره من رموز المعارضة في انتخابات 1951، 1954 التي شهدت ردة فعل واسعة في الشارع الأردني، ليعود إلى مقعده مرة ثالثة ضمن تيار الأغلبية ممثلا للحزب الوطني الاشتراكي في انتخابات 1956. شارك شفيق أرشيدات في حكومتين، فقد حمل حقيبة العدل والمواصلات في حكومة فوزي الملقى، أول حكومة في عهد الملك الحسين، ثم حمل حقيبة العدل والتربية والتعليم في حكومة سليمان النابلسي. وفي الحكومة الأولى أسهم بدور فاعل في إصدار قانون الأحزاب والمطبوعات والبلديات وتجميد قانون الدفاع، وفي الحكومة الثانية أسهم بهذا الانفتاح على مصر وسورية من اجل علاقة بديلة عن العلاقة مع بريطانيا، كما أسهم بعودة العلاقات الأردنية السوفيتية. وفي الميدان النقابي انتخب شفيق أرشيدات نقيبا للمحامين الأردنيين عام 1952 ليكون ثاني نقيب يشغل هذا الموقع، ليتم انتخابه بعد عشر سنوات، وهو لاجئ في سورية، أمينا عاما لاتحاد المحامين العرب لمدة خمس دورات متتالية، كما شغل مقعده في لجنة التضامن الافرواسيوية ومجلس السلم العالمي، كما اختير رئيسا للجنة القانونية في جامعة الدول العربية، ورئيسا للجنة الدفاع عن الحريات العامة وسيادة القانون في الوطن العربي، ورئيسا للجنة الدفاع عن الفدائيين الفلسطينيين في الدول الأجنبية وغيرها. وقد أدرك المحامي والسياسي والحزبي والمناضل شفيق أرشيدات مبكرا دور الصحافة وأهميتها في الحياة العامة، فقد عمل منذ منتصف الأربعينات محررا في مجلة الرائد والعهد والوفاء، قبل أن يذهب لإصدار مجلة الميثاق وليعمل رئيسا لتحريرها، وقد أسهم بتأسيس جمعية الصحفيين الأردنيين عام 1954 وأصبح مشرفا عليها، لتقوده هذه الخبرة لإصدار مجلة "الحق" الناطقة بلسان اتحاد المحامين العرب. حياة شفيق ارشيدات لم تكن هادئة، فقد تعرض للاعتقال عدة مرات، نفي في أحداها للطفيلة، كما أسقطت عضويته في مجلس النواب 1956 وصدر قرار بسحب جنسيته والتحفظ على أمواله المنقولة وغير المنقولة، ليعيش لاجئا سياسيا في دمشق المدينة التي درس فيها القانون قبل خمسة عشر عاما من عودته لاجئا اليها. وأثناء فترة إقامته في دمشق شهد ولادة الجمهورية العربية المتحدة وجريمة الانفصال التي أطاحت بحلم جيل ينتمي له، وبعد انتقال مقر إقامته للقاهرة كان شاهدا على العديد من انجازات الرئيس جمال عبد الناصر، كما شهد هزيمة حزيران وأثارها على الشارع العربي والمصري، وبقدر ما كان منحازا لسياسة عبد الناصر فقد اختلف مبكرا مع سياسة الرئيس السادات، خاصة بعد قراره بطرد الخبراء السوفييت من مصر، ليعود بعدها للأردن، ويتم اختياره عام 1976 عضوا في مجلس الأعيان. في التصنيف السياسي ظل شفيق ارشيدات يدور في دائرة انتمائه القومي العروبي، قريبا من البعثيين والناصريين، وظل حتى يومه الأخير قوميا عربيا يحمل في داخله رؤية اشتراكية خاصة. ويمكن القول إن عمل شفيق أرشيدات كمحام قد تراجع لصالح عمله السياسي والحزبي والنيابي والنقابي، حيث سعى من خلال المواقع التي شغلها للدفاع عن الوطن والأمة، لكن موقفه في قاعة المحكمة مدافعا عن الأمين العام للحزب الشيوعي فؤاد نصار في بداية الخمسينات، حول هذه المحاكمة إلى أشهر محاكمة سياسية في الأردن. ستون عاما مكتظة بالحركة والحضور عاشها شفيق أرشيدات، بدأت عام 1918 في اربد لتنتهي عام 1978 في عمان.
Source - المصدر : حركة في الاتجاهات الأربع - هشام عودة