يوسف العظم.. شاعر الأقصى ( 1931- 2007 ) - يرحمه الله بقلم : نضال القاسم - جريدة الدسنور 2010 يعد يوسف العظم واحدا من رجالات الأردن التاريخيين ، وهو رجل متعدد المواهب ، وقيادي متميز ، بكل المعايير ، ويصفه صديق عمره الشاعر الراحل ، د. كمال رشيد ، بقوله: "من الحجر الصلد خرج يوسف العظم ، من مدينة معان إلى دار العلوم ، إلى العمل الميداني التربوي الممتد ، والعمل السياسي الدؤوب ، ومع ما في السياسة من تشوهات وتلوثات فقد ظل نقيا تقيا ، ولم يتلوث قلمه ، ولم ينزلق لسانه ، ولم يحسب على أحد ، ولم تنتفخ جيبه. إن شئته شاعر الأردن ، فهو كذلك: فقد غنى لمعان - مسقط راسه ـ وغنى لعمان ـ مستقر تالقه ، وتحركه ، ونشاطه ـ وغنى للأردن: نهرا ، وصحراء ، وريفا ، وشجرة وميدان فرسان ، وأرض حشد ورباط. وإن شئت أن تسميه شاعر الأقصى ، فقد نال هذا اللقب ، وقد حمل القضية الفلسطينية بقلم نظيف ، وبغيرة صادقة ، وهو صاحب ديوان في رحاب الأقصى. وكان شاعر الأطفال ، وحاديهم ، ومطربهم ، وملهمهم ، وقد انبثت قصائده وأناشيده في الوطن العربي ، وفي الكتب المدرسية: في الأردن ، والسعودية ، ودول الخليج." ويعد الشاعر يوسف العظم واحدا من أهم الشعراء الأردنيين المعاصرين ، وفارسا من فرسان الكلمة ، وعلما من أعلام الحركة الإسلامية: فهو خطيب مفوه ، وكاتب بارع ، وشاعر مطبوع ذو شاعرية متدفقة ، في نفس طويل ، سار على نهج الشعر العربي الكلاسيكي ، من حيث وحدة القصيدة ووحدة الوزن والقافية ، إلا أن ذلك لم يمنعه من التجديد ، في بعض المضامين الفنية ، وقد استأثرت قضية فلسطين جل اهتمامه وأشعاره ، ولذلك فقد أطلق عليه شاعر الأقصى. ويوسف العظم من مواليد مدينة معان ، جنوب الأردن ، سنة 1931 ، من أسرة متواضعة تتحدر أصولها من الشام. وفي معان عاش يوسف سني عمره الأولى ، وما أن بلغ الخامسة ، أو قريبا منها ، حتى أدخله والده كتاب البلدة ، فدرس فيه القراءة ، وحفظ من القرآن الكريم حظا طيبا ، وبعد أن أنهى الدراسة الابتدائية ، والإعدادية ، انتقل إلى عمان العاصمة وفيها تلقى جزءا من تعليمه الثانوي في"ثانوية عمان"ثم توجه إلى بغداد فدرس عامين في كلية الشريعة فيها ، ثم توجه إلى مصر ، فدرس اللغة العربية في الأزهر الشريف ، ونال شهادته سنة 1953 ، ثم التحق بمعهد التربية للمعلمين ، بجامعة عين شمس ، وتخرج فيه عام ,1954 في القاهرة ، وفي جامعة الأزهر ، قضى يوسف حياة الدراسة ، ولا شك أن أساتذته ، من شيوخ الأزهر ، قد أثروا فيه ، كما أثرت فيه ، وشكلت ـ في الوقت نفسه ـ جزءا هاما ، من شخصيته الأدبية والفكرية ، الحركة العلمية والأدبية والثقافية والسياسية ، التي كانت مزدهرة في مصر ، آنذاك. وفي مصر ـ مركز الحضارة ، وموئل العلم ـ التقى يوسف رجال الحركة الإسلامية وأدباءها ، وتمكن من طباعة كتابه الأول ، "الإيمان وأثره في نهضة الشعوب" ، الذي كتب مقدمته الشهيد سيد قطب. وقد عقد يوسف العظم صلات مع عدد من قادة الأدب والفكر في مصر ، وكان شديد الإعجاب بأديب مصر ومفكرها ، سيد قطب ، وكان لهذا الإعجاب أثره في اقتناعه بالأفكار التي كان يدعو إليها ، وفي تكوينه الفكري ، ومساره الدعوي. وكان لسيد قطب تأثير شديد في يوسف العظم ، وكان لهذا التأثير فعله الحاسم في انضمام العظم إلى جماعة الإخوان المسلمين. وكما يذكر أحمد الجدع في كتابه "يوسف العظم - شاعر الأقصى" ، فإن العلاقة بين سيد ويوسف كانت علاقة وطيدة ، حيث يقول الجدع: "لم تقتصر العلاقة بين سيد ويوسف على التأثير والتأثر ، بل امتدت إلى المشاركة الفعلية في العمل: كان سيد قطب ، آنذاك ، رئيسا لتحرير مجلة الإخوان المسلمين ، فشارك يوسف في تحريرها ، وكتب فيها ، وكان لهذا كله أثره الكبير والعميق في حياته ، فاتجه إلى الكتابة الفكرية مبكرا ، والف كتابه الأول وهو لم يزل طالبا في الجامعة ، ولم يكن مستغربا أن يكون كتابه الأول عن الإيمان وأثره في حياة الشعوب ، فهو وأستاذه كانا من دعاة هذا الاتجاه ، وكانا يؤمنان إيمانا راسخا بالأثر الإيجابي الفاعل للإيمان في استقرار حياة الشعوب ، وفي سعادتها ورقيها". وبعد أن جوبه كتابه في مصر ، ومنع من التداول ، ولما أحدثه ذلك من أثر عميق في نفس يوسف العظم ، فقد قرر العظم أن يعود إلى عمان ، حيث بدأ نشاطه بالتربية ، فدرس الأدب العربي ، والثقافة الإسلامية في الكلية العلمية الإسلامية ، ومن ثم انتقل إلى العمل في الصحافة ، فعمل رئيسا لتحرير مجلة "الكفاح الإسلامي" ، التي أصدرها الإخوان المسلمون في عمان ، آنذاك ، والتي رسخت مكانتها بين قطبي الصحافة الإسلامية: مصر ، وسوريا ، وفيها ظهرت موهبة العظم الصحفية والأدبية ، ثم بدأ نجمه بالظهور ، فبرز داعية إسلاميا ، ومحاضرا ، وخطيبا ، ومحاورا ، وكاتبا في مختلف مجالات الدعوة الإسلامية ، فكان متعدد الأنشطة وغزير الإنتاج. ولم يكتف العظم بهذه الميادين الرحبة ، التي صال فيها وجال ، فالتفت إلى العمل السياسي ، الذي جذبه ، ورأى فيه مجالا أوسع لخدمة الإسلام والمسلمين ، فترشح للانتخابات عن الإسلاميين ، سنة 1963 ، فاختاره الناخبون في مدينته معان نائبا في مجلس الأمة ، وحين تم حل المجلس أعيد انتخابه ، سنة 1967 ، وكان في المجلس مقررا للجنة التربية والتعليم ، وعضوا في لجنة الشؤون الخارجية. ثم عاد إلى المجلس عام 1989 ، وبقي فيه حتى اعتزل العمل السياسي ، من بعد مرض ألم به ، وقد شغل ، في هذه الأثناء ، منصب وزير التنمية الاجتماعية ، خلال حرب الخليج الثانية. وألف العظم تسعة دواوين شعرية ، هي "في رحاب الأقصى" ، وهي المجموعة التي رثى فيها الشاعر المسجد الأقصى ، و"عرائس الضياء" ، و"قناديل في عتمة الضحى" ، و"الفتية الأبابيل" ، و"لبيك"، و"رباعيات من فلسطين" ، و"على خطى حسان" ، و"لو أسلمت المعلقات" ، و"قبل الرحيل" ، وآخر نتاجه كان ديوان "قطوف دانية" ، مطلع عام ,2007 وإلى جانب تلك الدواوين ، خلف العظم مؤلفات أدبية وفكرية عديدة ، من بينها: "الإيمان وأثره في نهضة الشعوب" ، و"الشهيد سيد قطب رائد الفكر الإسلامي المعاصر" ، و"رحلة الضياع للإعلام العربي المعاصر" ، و"نحو منهاج إسلامي أمثل". أما باكورة كتاباته فكان كتاب "المنهزمون" ، وهو دراسة "في الفكر المتخلف والحضارة المنهارة" ، وكتاب "أين محاضن الجيل المسلم". وفي مجال النقد الأدبي له كتاب "الشعر والشعراء في الإسلام"، ومن مؤلفاته في التربية "براعم الإسلام في العقيدة" ، و"براعم الإسلام في الحياة" ، و"أدعية وآداب للجيل المسلم" ، و"أناشيد وأغاريد للجيل المسلم" ، و"مشاهد وآيات للجيل المسلم" ، و"العلم والإيمان للجيل المسلم" ، ثم إن له مجموعتين قصصيتين: "يا أيها الانسان" ، و"قلوب كبيرة". وكان العظم يعتبر أحد أبرز قادة جماعة الإخوان المسلمين ، في الأردن ، وهو من المؤسسين الأوائل في الجماعة ، وشخصية وطنية ساهمت في بناء الوطن ، والعمل العام في مختلف الحقول: التربوية ، والسياسية ، والإعلامية ، والأدبية ، وله باع طويلة في مجال الدعوة والأدب الوطني الإسلامي الملتزم. ولقد جمع ، في شعره ، بين الأصالة والمعاصرة ، وبين هموم الأمة الوطنية والقومية والاجتماعية ، من منطلق فكره الديني ، وانتمائه العقائدي لدينه ووطنه وأمته ، وقد كان له دور بارز في النهوض في القصيدة الأردنية من خلال أعماله الشعرية المختلفة ، التي تعددت أشكالها وموضوعاتها. ولقد قالت عنه مجلة "المسلمون" إنه "واحد من أبرز شعراء الدعوة الإسلامية ، وكتابها ، في العصر الحديث. نشأ في الأردن ، فكان تفاعله مع قضية فلسطين والمسجد الأقصى تفاعلا تلمحه في كثير من قصائده وكتاباته: كان واضحا له ـ منذ البداية ـ أن طريق العودة إلى فلسطين إنما هو طريق الإسلام ، فجعل كلماته ـ شعرا ، أو نثرا ـ تخدم هذه الفكرة ، وتدعو إليها. وعندما يكتب يوسف العظم نثرا فإن لكلماته مضاء السيف مع قوة الحجة ، وصدق الانفعال. وعندما يقول شعرا فإنه يضيف جمال الجرس ورنة الايقاع إلى تلك القوة" وأما قصة العظم مع الأقصى فبدأت من بواكير حياته ، حيث خط ـ منذ شبابه ـ الشعر الذي تغنى بالأقصى وفلسطين ، وأشهر نتاجاته في هذا الجانب ديوان "في رحاب الأقصى" الذي صدر عام 1970 ، وبعد احتلال القدس ، عام 1967 ، أنشد العظم أبياتا شهيرة ، منها: يا قدس ، يا مــحـراب ، يا منبر يا نور ، يا إيـمـان ، يا عنبر أقدام من داست رحاب الهدى ووجه من في ساحها أغبر وكف من تزرع أرضـــــي ، وقد حنا ، عليها ، ساعدي الأسمر من لوث الصخـــــرة ، تلك ، التي كانت بمسرى أحمد تفخر وأما الأستاذ أحمد لطفي عبد اللطيف فقدم بحثا مستفيضا عن الشاعر وعطائه في مجلة "المجتمع" ، (7 ـ 1 ـ )1975 ، في الكويت ، فقال عن العظم: "ومن أعلام الدعوة الإسلامية ، في الشعر والفكر والتربية ، في الأردن ، الأستاذ يوسف العظم ، والأستاذ العظم شاعر مطبوع ، لشعره طلاوة ورونق يجذب إليه سامعه وقارئه لما فيه من معان سامية ، ولما يدعو إليه من أهداف نبيلة". شعره كان يوسف العظم شاعرا ملتزما ، بالمعنى الدقيق الواضح للالتزام ، في ميدان الشعر ، والتزامه نابع من تشبعه بالتصور الإسلامي عن الكون والحياة والإنسان ، وهو الذي ميزه عن غيره من الشعراء ، وهو ـ في الوقت ذاته ـ الذي جعل في قلبه يقينا لا يتزعزع بضرورة الحل الإسلامي لجميع مشاكل الإنسانية ، وليس الإسلامية ، فقط: فهو شاعر يعشق الحياة ، ولكنه ـ في الوقت ذاته ـ يعشق البندقية: فهو لم يكن يعشق الموت ويزهو بالمنية إلا لأنه أدرك أن الموت سلمه للحياة ، وهو طوق النجاة ، له ولأبناء أمته: ساءلتني ، في حـمـانا ، ظــبيـة: أتحب الشوق في عيني صبية قلت: لا أعشق طـــرفا ناعسا وخدودا وشفاها قرمــــــزية إنما أعشق صدرا عامـــــرا يحمل الموت ويــزهو بالمنية أدركت سري وقالت ظبيتي أنت لا تعشق غير البندقــية وكان يوسف العظم يرى أن "أجمل الشعر ما كان نابعا من صدق الشعور ، وعميق العاطفة ، وشفيف الوجدان ، والشعر المؤمن الملتزم هو الذي يحيا في ظل الاستثناء القرآني الخالد: (إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا وانتصروا من بعد ما ظلموا ، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون)". كان يرى أن للشعر الإسلامي مقاما يربأ به عن الانزلاق إلى متاهات الهجاء ، وهو ـ إن كان هجا ـ فإن هذا الهجاء كان لمفهوم آخر للهجاء ، وهو التصدي لانحرافات الشعراء وضلالات أهل الغناء ، وتصديه لدعاة الخنوع للأعداء ، وأما المديح فقد كان العظم يأباه ولا يرضاه ، وكان ـ في رأيه ـ لا يستحق المديح إلا إثنان: الشهيد ، لمنزلته الرفيعة عند الله ، والإمام الذي يقود أمتنا إلى النصر على أعدائها ، وفي ذلك يقول: قلت: شعـري عرائس من ضياء كيف يرضى الضياء قيد العبيد ليس لي ، في موطني الكبير ، عظيم يستحــــق الثناء غير الشهيد أو إمام يـــــقــودنا لجــهاد في رحاب الأقصى لدحر اليهود وكان يوسف العظم يؤكد ، دائما ، أن السبيل إلى تحرير هذه الأمة هو في الجهاد والقتال والدم ، حيث يقول في قصيدته "بسمة الشهيد": اكتب حياتك بالدم.. واصمت ولا تتكلم، فالصمت أبلغ ، في جراح الحادثات ، من الفم والصمت أقوى من رنين القيد حول المعصم والصمت أكرم ، عند ربك ، من سفاهة مجرم إن تاه بالظلم الغشوم فته بعزة مسلم

Source - المصدر : معان جذور تنبض
Pinterest Twitter Google

>