تيسير السبول (1939 - 1973م)
شاعر أردني ولد في مدينة الطفيلة الهاشمية الواقعة جنوب الأردن عام 1939، ليتزامن ميلاده بذلك مع تأسيس دولة يهود في فلسطين على أيدي الصهيوينة، وفي ظل ظروف أخرى قاسية تحيط بالأمة العربية لما تشهده من فرقة وضياع جراء الرزح تحت نير الاستعمار الأوروبي على الامة العربية.
عاش السبول في أسرة متوسطة الحال تتكون من خمسة أولاد وأربع فتيات هو أصغرهم سنا، وكان يعمل والده مزارعا أسوة بغيره من أسر الطفيلة آنذاك الذي سعى رغم ضيق حاله إلى ضم ابنائه ضمن صفوف الجامعيين.
تميز السبول بشخصية قوية وبسرعة البديهة والذكاء والإحساس المرهف، ما جعله محط أنظار أساتذته وأقرانه الذين تنبؤوا له بعلو الشأن، حيث كان منذ من منابع المعرفة فانكب على القراءة. واصل السبول دراسته المتوسطة والثانوية في مدينة الزرقاء بتفوق رغم أجواء القلق والاضطراب والحزن جراء سجن أخيه شوكت بسبب آرائه السياسية.
استطاع السبول وبسبب جلده وتفوقه في الدراسة الثانوية الحصول على منحة دراسية إلى الجامعة الأمريكية في بيروت لدراسة الفلسفة، إلا أن الحياة في تلك الجامعة لم ترق لشاب تشغله قضايا الأمة العربية وما يعج بالعالم العربي من أحداث سياسية.
دفعته الأحداث السياسية إلى ترك الجامعة ودراسة الحقوق في جامعة دمشق، والتي ظهر السبول فيها كشاعر ذي موهبة، ما زاد من اطلاعاته الواسعة على قراءة الكتب والصحف والمجلات اليومية والأسبوعية، لتبدأ مسيرته كشاعر في الكتابة ببعض المجلات والدرويات الشهرية الأدبية في دمشق وبيروت كمجلة الثقافة، والآداب والأديب. توقف السبول عن الكتابة لفترة وجيزة متأثرا بما يدور حوله من توالد للهزائم والنكسات، إذ باتت تشكل عبئا عليه يرزح تحتها.
حياته العملية ونهايته المؤلمة غيرة على شرف العروبة
عمل السبول موظفاً متنقلاً من وظيفة إلى أخرى وتزوج وأنجب طفلين، عتبة وصبا ثم عمل في الإذاعة الأردنية. حلت هزيمة حزيران لتزعزع ما استقام من حياته، فقد كانت الصدمة مؤلمة وشديدة عليه فبكى الهزيمة دونما انتظار للعزاء ليلقي نظرة على ما ضاع ربما لغير رجعة في يد من لا يرى غير الدمار وسفك الدماء.
من هنا أعلن موت الشعر فأخذ على عاتقه قراءة تاريخه القديم مستلهماً من الماضي ما يعينه على مواجهة مستقبل غائم وغامض.
ويروي عنه أحد رفاقه الأديب سليمان القوابعة الذي عايش فترة من حياته "بحكم علاقات عائلتينا فإن الزيارات المتبادلة اطلعتني من خلالها على السبول التي استمرت حتى أيام الدراسة الجامعية"، ويضيف القوابعة "حاولت أن اطلع على رواية تيسير " أنت منذ اليوم " والتي فازت على حساب جريدة النهار آنذاك، فكان رده انها مودعة في بيروت، شعرت آنذاك بضيق في نفسه عندما يجري الحديث عن تلك الرواية التي أكد من خلالها أنها ستعمل على تغيير وتيرة حياته المحبطة.
"بدأت تظهر على ملامحه علامات التعب والانهيار النفسي والحزن الدفين، وتفاجأت بنهايته عندما أقدم على الانتحار حيث وضع حدا لها بعد معاناة طويلة بطلق ناري في 15/11/1973 في أعقاب حرب تشرين، ولقاء المصريين والإسرائيليين عند (خيمة الكيلو 101).
وهو القائل :
وابعد - ابعد من كل ما قيل - ما لا يقال فلصق ضميري تظل حروف حروف ثقال اشد عليها وليس تبوح وتفعم صدري بطعم المحال.. ... من اجل هذا الذي لا يقال تساقط تهمي دموع الرجال
قصيدة أحزان صحراوية للاديب الشاعر تيسير السبول
مِن زمانْ من تجاويف كهوف الأزليّهْ كان ينسابُ على مدِّ الصحارى العربيّهْ لينّاً كالحُلم سِحريّاً شجّيا كليالي شهرزادْ يتخطّى قمم الكثبانِ يجتازُ الوهادْ
مِن زمانْ شربتْ حسرةَ ذاك الصوتِ حبَّاتُ الرمالْ مزجتْهُ في حناياها أعادتْه إلينا ليّناً كالحلم سحرياً شجيا فكأنّي قد تنفّستُ شجونَهْ وكأنّ الصوت في طيّات صدري رجّع اليومَ حنينَهْ فأراهُ بدوياً خطَّت الصحراء لا جدوى خُطاهُ مُوحشاً يرقب آثار الطلولْ
مِن زمانْ غير أنّي كلّما استيقظ في قلبي اشتياقْ لمزيد من تدانٍ والتصاقْ كلّما ضجَّ نداءُ البوحِ في أرجاء ذاتي كلما بُوغِتُّ أني أتناهى بانسراب اللحظاتِ كلما أحسستُ أنّي بعض دفء الآخرينْ خِلتُني عدتُ أراهُ بدوياً خطّتِ الصحراء لا جدوى خُطاهُ سار في عينيه وهج الشمسِ والرمل وعودٌ برمالْ ومدى الصحراء صمتٌ وعذابات ارتحالْ فتغنّى وسرى الصوتُ على مد الصحاري العربيّهْ مُودعاً في الرمل غصّات أغانيه الشجيّهْ.