المفكر والباحث الدكتور علي محافظة إن الحديث عن الدكتور علي محافظة هو حديث عن شخصية أردنية مرموقة وفريدة فهو أستاذ قدير وعالم جليل وسياسي محنك اشتمل نتاجه على دراسات تاريخية هامة كما اشتمل على البحث العلمي والدراسات المميزة ، كثيرة هي المحطات الهامة والأدوار المميزة التي لعبتها هذه الشخصية في تاريخ الأردن فهو المؤسس لجامعة مؤتة العريقة ، كما تولى رئاسة العديد من المواقع الأكاديمية والدبلوماسية. ولد الدكتور علي مفلح محافظة في قرية كفرجايز الواقعة في محافظة اربد في 15 آذار م1938 لأسرة ريفية تهتم بالتعليم وتحرص عليه ، التحق بكتاب القرية في سن السادسة وأمضى فيه سنة كاملة تعلم فيه القراءة والكتابة والحساب وحفظ عدة أجزاء من القرآن الكريم بالإضافة إلى الأناشيد والأشعار ، ثم التحق بالمدرسة الأولية في قرية "سما" المجاورة لقرية "كفرجايز" وتم قبوله في الصف الثالث. وقد أمضى في مدرسة "سما" الابتدائية خمس سنوات وبعد أن اجتاز امتحان الدراسة الابتدائية بتفوق سعى لمواصلة دراسته في مدرسة اربد الثانوية وذلك بتشجيع من أخيه الأكبر محمود الذي عُرف عنه تفوقه في الدارسة ، وهناك حصل على شهادة الدراسة الثانوية عام 1955 وكان ترتيبه الثاني في لواء اربد الذي ضم أربع محافظات هي اربد وعجلون وجرش والمفرق فكان أول طالب يحصل على شهادة الدراسة الثانوية في قريته قرية (كفرجايز) ، أوفد في بعثة علمية على نفقة وزارة المعارف إلى الجامعة السورية (جامعة دمشق) فحصل على إجازة في الآداب - قسم التاريخ - سنة 1959 وحصل على دبلوم عام في التربية عام 1960 ، ونظراً لظروفه المالية الصعبة فقد عَمًل مدرساً في العديد من المدارس السورية خلال فترة دراسته الجامعية ليتمكن من الإنفاق على نفسه ودراسته. عاد إلى الأردن في آب 1960 وتم تعيينه معلماً في ثانوية الحسين بن علي في الخليل وذلك بناء على توصية لجنة التعيين في الوزارة. أعقبه بعد أسبوع قرار آخر ليتم فيه تعيينه في عمان ومما يجدر ذكره في ذلك الوقت لم يكن في عمان سوى ثانويتان حكوميتان فقط هما كلية الحسين وثانوية رغدان التي عَمًل مدرساً فيها. في صيف عام 1961 توجه الدكتور علي محافظة إلى مدينة القاهرة وذلك للتسجيل في برنامج الماجستير في جامعتها لدى الدكتور محمد أنيس. وفي عام 1962 قررت الحكومة إصلاح وزارة الخارجية وهذا الإصلاح لا يتأتى إلا باستغلال طاقات الشباب الجامعيين فعملت على وضع قاعدة للتعيين في السلك السياسي وعقدت امتحاناً للراغبين في العمل فيه في قاعة مجلس الأمة القديم وبعد تدريب بسيط في الوزارة وفي دائرة الجوازات العامة تم نقله إلى السفارة الأردنية في بون في 15 آيار ,1962 عَمًد الدكتور على محافظة في فترة إقامته في ألمانيا إلى تعلم اللغة الألمانية وتقدم في تشرين الأول 1962 لامتحان في اللغة الألمانية ليتم قبوله في برنامج الدكتوراه في التاريخ. ولكن نظراً للأزمة السياسية التي حدثت عام 1965 بين ألمانيا والدول العربية اضطر الدكتور علي محافظة إلى العودة إلى عمان حيث بقي فيها عدة أشهر ، ثم نُقل إلى السفارة الأردنية في تونس حيث عمل بمعية فرحان شبيلات ومحمد نزال العرموطي وهناك تعلم اللغة الفرنسية ، وبقي في تونس سنة واحدة ليتم نقله إلى الجزائر بوظيفة القائم بأعمال السفارة الأردنية هناك وذلك عام ,1966 في بداية كانون الثاني 1968 تم نقل الدكتور علي محافظة إلى باريس وقد لقي هذا الأمر سروراً في نفسه كونه كان يطمح لإكمال دراسته العليا في جامعة السوربون واختار الأستاذ مارسيل كولومب كمشرفاً له في جامعة باريس الثالثة (السوربون) وبعد مرور سنة واحدة تقدم لامتحان دبلوم الدراسات المعمقة فنجح به وباشر كتابة أطروحته لنيل شهادة دكتوراه التخصص (الحلقة الثالثة) بعنوان: "العلاقات الأردنية البريطانية بين عامي 1921 و "1957 وقدمها لأستاذه ليتم تأليف لجنة المناقشة وتحديد موعدها ليفاجأ بعد ذلك بأيام بقرار نقله إلى السفارة الأردنية في القاهرة. حيث أقام في القاهرة مدة لم تتجاوز ستة أشهر ليذهب في آيار 1971 إلى باريس ليناقش أطروحة الدكتوراه هناك. بعد ذلك عمل في الدائرة السياسية في وزارة الخارجية ، ثم تقدم الدكتور علي محافظة بطلب إلى عميد كلية الآداب الدكتور محمود السمرة للعمل في قسم التاريخ وذلك عام 1971 ، ولقي طلبه كل ترحيب. وحول العمل الدبلوماسي تحدث الدكتور علي محافظة فقال: لابد لي هنا من وقفة بعد انتهاء عملي في الحكومة الأردنية ، للحكومة فضل كبير علي ، فلولاها ما حصلت على الدراسة الجامعية في دمشق ، وبفضلها أتيحت لي فرص الاطلاع على الثقافة الغربية أثناء عملي في بون وباريس لمدة ست سنوات ونيف وتمكنت من خلال عملي في السلك الدبلوماسي الأردني من تعلم اللغتين الألمانية والفرنسية والحصول على شهادة الدكتوراه. وكان لهذا كله أثره في نفسي وانعكس على سلوكي ومحبتي لبلادي وإخلاصي له ، ونما لدي الاستعداد القوي الدائم للعطاء والاستجابة لتقديم العون والمساعدة لأجهزة الدولة المختلفة وللمواطنين الأردنيين أينما كانوا. وكان للعقبات التي واجهتني للحصول على البعثة الدراسية الجامعية عام 1955 أثرها في نفسي ، إذ جعلت حساسيتي للظلم شديدة ومقاومتي له أشد ، ولم أتوان يوماً في كل المواقع التي تسلمتها عن رفع الظلم عن المظلوم وإغاثة الملهوف وإنصاف الناس ودعم كل ذي كفاءة ومقدرة ، دون النظر إلى أصله وفصله. وظلت العدالة والمساواة من القيم الأساسية التي أتمسك بها وأدافع عنها ، ولكن حبي للتعليم وشعوري العميق بأن اتصالي بالطلبة ودوري في تكوينهم الفكري والنفسي ولد لدي قناعة بأن المعلمين ورثة الأنبياء وأن التعليم من أسمى المهن وأصعبها ، ولا يتقنها إلا من أحبها وتعلق بها. بدأ الدكتور علي محافظة تدريس التاريخ المعاصر في الجامعة الأردنية عام 1971 وحصل على شهادة دكتوراه الدولة في الآداب والعلوم الإنسانية من جامعة السوربون (باريس الأولى) تحت إشراف الدكتور جان بابتست ديروزيل وكان عنوان رسالته: "مسألة الهلال الخصيب بين عامي 1919 و 1945م" وكان اهتمامه منصباً على تاريخ الأردن المعاصر. وحول قيامه بتأسيس جامعة مؤتة تحدث الدكتور المحافظة فقال: في آب 1981 توليت تأسيس جامعة مؤتة التي بدأت بكلية العلوم الشرطية في عمان وانتقلت الجامعة إلى مقرها الدائم في مؤتة - الكرك عام 1984 حيث أضيف إلى كلية العلوم الشرطية كلية العلوم العسكرية بثلاثمئة مرشح ضابط من حَملة شهادة الدراسة الثانوية العامة ، وافتتحت في الجامعة تخصصات تحتاجها القوات المسلحة والأمن العام وهي الهندسة الميكانيكية والهندسة الكهربائية والرياضيات والفيزياء والكيمياء والعلوم الإدارية والقانون واللغة العربية واللغة الانجليزية ، كان الهدف من إنشاء جامعة مؤتة العسكرية على نمط الجامعات العسكرية الأميركية إعداد ضباط مؤهلين علمياً وتقنياً وعسكرياً في خطة ترمي إلى تحديث القوات المسلحة الأردنية وتمكن ضباطها من استيعاب التكنولوجيا العسكرية الحديثة وتطويرها وتأهيلهم علمياً لقيادة هذه القوات بكفاءة واقتدار ، ومن أهداف الجامعة أيضاً تجسير الهوة القائمة في المجتمعات العربية بين العسكريين والمدنيين. وتحدث الدكتور نعمان الخطيب في شخصية الدكتور علي محافظة فقال: تمكن الأستاذ الدكتور علي محافظة بمؤهلاته العلمية والتربوية والإدارية ، وبتعدد مصادر ثقافته العالمية ، مع ما يتصف به من صفات اجتماعية محببة وملكات حضارية محترمة من قيادة مركب العلم والمعرفة ، مركب السلاح والقلم ، مركب الحرب والسلام مركب العنف والتسامح الذي التحق به عشرات الألوف من العلماء والعسكريين والقادة الذين ساهموا في كتابة التاريخ الأردني المعاصر بدعم كبير من المغفور له بإذن الله الملك الحسين رحمه الله وطيب ثراه الذي كان يردد دائماً بأن لمؤتة في القلب مكانة وفي الخاطر رعشة واعتزاز وانتقل إلى رحمته تعالى وهو يكتنز لمؤتة في قلبه حباً خاصاً كيف لا وقد أرادها معهداً للقادة ومصنعاً للرجال. وقد استطاع الدكتور علي محافظة في الجناح العسكري أن يطبق القانون والنظام على الجميع وأن يضمن لكل منها (العسكريين والمدنين) خصوصية ، فكان عسكرياً صلباً في العسكرية ومدنياً مرناً في المدنية وقائداً عالماً تربوياً في الإدارة ، لم يخشى الاندماج العسكري المدني ، بل طوعه لخدمة التجربة في جامعة مؤتة ونجح أبو باسل في ذلك. تولى الدكتور علي محافظة رئاسة جامعة اليرموك عام 1989 وعمل على مراجعة مسيرة الجامعة عن طريق تكوين لجان لدراسة واقع كل ميدان واقتراح الإصلاح المناسب له لأن عملية الإصلاح والتطوير مستمرة ولا ينبغي أن تتوقف. تعلو بعض الأصوات بين الحين والآخر لتكريم الشخصيات البارزة ربما هذا مهم وضروري ورغم ذلك تحتاج الذاكرة الجامعية دوماً لنفض الغبار مخافة نسيان من ضَحوا بالغالي والنفيس خدمة للأمة لا بحثاً عن حياة شخصية ومنافع ذاتية. وقراءة السيرة الحياتية لمثل هذه الشخصيات يحيي قيماً وأخلاقاً حميدة تسهم في عكس صورة عن رقي هذا المجتمع ونبل أخلاق عظمائه. وضمن برنامجها السنوي "ضيف العام" نظمت مؤسسة عبد الحميد شومان يوم 10 ـ 10 ـ 2009 ندوة تكريمية للدكتور علي محافظة بعنوان: "علي محافظة مؤرخاً ومفكراً وكاتباً" شارك فيها عدد من الباحثين والدارسين من الأردن والوطن العربي وتحدث السيد ثابت الطاهر المدير العام لمؤسسة عبد الحميد شومان فقال: إن الحديث عن الدكتور علي محافظة يثير الشهية للحديث عن الكثير من الشؤون والشجون وأن من أبرز إسهامات الدكتور المحافظة أنه تعامل مع التاريخ بمرونة شديدة فقد استطاع أن يجعل التاريخ مقروءاً وليس مركوناً على أرفف الكتب وذلك بعد أن وظّف التاريخ وتحولاته في خدمة وتشخيص الواقع الراهن وبأسلوب يساعد على استشراف ما يمكن أن يكون عليه المستقبل. وتحدث الدكتور محمد عيسى صالحية في شخصية الدكتور علي محافظة قائلاً: في قريته كفرجايز الإربدية أينع ومن كده وراء محراث والده وفّر وأخوته للأسرة ما أشبع دون إفراط وما سد الرمق دون رفاهية ورغد ، انتقل إلى اربد لإكمال دراسته وفي المدينة عَرف السياسة والأحزاب ، ونما فكر علي ، وفي دراسته للتاريخ وجد نفسه فانكب عليه ونال شهادته الأولى وأكمل دراسته في فرنسا إثر عمله في وزارة الخارجية وتنقله بين عددْ من السفارات الأردنية في الدول العربية والأجنبية فتعمقت ثقافته العربية والأوروبية وتوسعت آفاق فكره ونمت معارفه ومن هنا كان التصاقه الفكري بقضايا الأمة العربية وتوأمته البحثية بين الأردن وفلسطين. وتحدث الدكتور عادل الطويسي في شخصية الدكتور علي محافظة فقال: في عام 1988 وبعد التحاقي كعضو هيئة تدريس بجامعة مؤتة بعامين اختارني الرئيس علي محافظة ضمن وفد يرافقه لزيارة جامعة جلاسكو في سكوتلاندا وكان أسبوعاً مليئاً بالخبرات والمعلومات بالنسبة لي وأنا في صحبة رجل ينتقل بك بين الحقب والأحداث التاريخية تارة وبين الأطر الفكرية السائدة في العالم العربي تارة أخرى ، المحطة الرئيسية الثانية في علاقتي مع الدكتور محافظة كانت بعد تسلمي لمنصب وزير الثقافة ، فكانت عضويته في لجنة مكتبة الأسرة الأردنية مثرية جداً لعمل اللجنة من خلال آرائه في نوعية الكتب المختارة والمناسبة للأسرة فساهم فعلاً في نجاح المشروع الذي شهد به الجميع. ووصفه الدكتور زيدان كفافي فقال: الأستاذ الدكتور علي محافظة أقل ما يقال فيه أنه عالم في علمه ، ثاقب في رأيه ، فاحص في نظرته فارس في إدارته ، ومن حسن طالعي أن أستاذنا اعتلى كرسي الرئاسة في جامعة اليرموك عام 1989 وأجلسني على كرسي مدير معهد الآثار والأنتروبولجيا في الجامعة عام 1991 وسافرت معه في مهمات علمية إلى ألمانيا واليونان وتشاركنا سوية في تأسيس نادي زملاء فون - همبولدت في الأردن وهو الأب الروحي له ، وجمعتني به عبر هذه النشاطات علاقة حميمة وعرى صداقة لا تنفصم. وتحدث الدكتور محمد عفيفي من جامعة القاهرة في شخصية الدكتور علي محافظة قائلاً: الدكتور علي محافظة في أعماله العديد من الملاحظات المهمة حول تطور الفكر العربي حيث ينتمي للتيار الفكري الذي يرفض أن النهضة العربية لم تبدأ إلا في القرن التاسع عشر بمجيء الغرب هذه النظرة التقليدية التي سادت معظم الدراسات الغربية والعربية والتي تناولت تاريخ الفكر العربي. ويرصد المحافظة ظاهرة مهمة ارتبطت بهذا التيار وهي عدم رفضه التام لحضارة الغرب. وتحدثت الدكتورة خيرية قاسمية قائلةً: ساهم الدكتور المحافظة في إغناء الفكر القومي وإرسائه على أرضية ثقافية وتاريخية مستمدة من الواقع العربي وهو يوصل أفكاره بروية وسلاسة وموضوعية وصراحة غير مشحونة بروح الإثارة ، الدكتور المحافظة يخوض في الماضي ولكنه يتطلع إلى المستقبل من أجل بناء مجتمع عربي متكامل معافى. حصل الدكتور علي محافظة خلال ميسرة عمله على العديد من الأوسمة منها: وسام الاستقلال الأردني من الدرجة الرابعة ، وسام الصليب الحديدي من الدرجة الثالثة من حكومة ألمانيا الاتحادية ، وسام جوقة الشرف من درجة فارس من الحكومة الفرنسية ، وسام النخيل الأكاديمي من الحكومة الفرنسية ، وسام التربية والتعليم الأردني وسام الدولة التقديرية في العلوم الإنسانية ، وسام الاستقلال الأردني من الدرجة الأولى وله العديد من المؤلفات والأبحاث المنشورة بالإضافة إلى عضوية منظمات ومجالس ولجان عديدة في الدولة الأردنية. تمثل حياة الدكتور علي محافظة محطات تضيق فيها الصفحات فهو رحاله وضع رحاله بمواقع عديدة ليؤسس منابر علم ومعرفة مما يجعله رجل تأسيس بامتياز ، إن شخصية الدكتور علي محافظة نجملها بأنها شخصية أبدعت وتألقت فاختزلت تاريخ الوطن وترقت فعبرت عن أمة بكاملها ، فلكل أمة تاريخ يصنعه عظماؤها وفي حياة كل شعب مسيرة عطاء محفوفة بجهود أبنائه الحريصين على بناء غده وتحقيق مجده.

Source - المصدر : جريدة الدستور
Pinterest Twitter Google

>